السبت، 7 مارس 2009

لماذا مفهوم العلمانية مُسْــتقبح لهذه الدرجة ؟




في مناسبات مختلفة سمعنا عن هذا المفهوم "القبيح" كما يحبوا أن ينظروا إليه علماء الدين و بعض المسلمين و الشعوب الخليجية, لدرجة أنه كل منا مر بتجربة في درس حوله بشكل قصير جداً في مناهجنا التعليمية في مرحلة الثانوية.

لكن, لماذا هي قبيحة لهذه الدرجة ؟ و ما هي الخطورة التي يمكن أن تشكله العلمانية اتجاه الإسلام ؟ فلنرى..

تُعرف العلمانية بأنها فصل الدين عن الدولة و الحياة. لاحظ كلمة "فصل" فهي لا تعني "إلغاء" أي محو الدين بشكل كامل عن حياة الجميع كما يحب أن يوضح بعد علماء الدين و الناس لبعضهم البعض في الدول الإسلامية و منها مملكتنا الغالية. لكن ما أثر العلمانية على كل إنسان مسلم لو افترضنا أنها طُبقت في أجل غير معلوم ؟

العلمانية بدستورها الأولي تحمي الدين, أي أنها تحمي مقدساته سواء كان من سوء أو بلا و ما اذا كانت هناك دولة ما تعاني الأمرين من الإنقسام الديني أو المذهبي و هناك جبهات تتصارع و تختلف في حكم دين أو مذهبٍ ما بالدولة أو التشكيلة الحكومية لها فالحل هو الحيادية بينهما. أي مرةً أخرى العلمانية تنظر للدين بنظرة حيادية فهي لا تدخله في شؤون الدولة و دستورها بمعناه أن ليس على كل فردٍ أو مواطن ليس مسلم أو مسلم نص كم في أن يمارس الفروض و الشعائر الدينية رغماً عنه أو سوف يتعرض بعقوبة الرجم أو الجلد أو السيف بإسم الدين الحاكم.

طبعاً هو حلم أي إنسان حر أن يعيش في دولة علمانية لأنه لن يتعرض للأذى الجسدي ما إذا لم يرد أن يقوم بفرض ديني معين, و هذا يا أعزائي ليس اهانة للدين أو تخلص منه, بل بالعكس..أنظر للحال اذا تعددت طوائف في دولة إسلامية و كلٌ يريد أن يطبق شرائعه الخاصة كما يرى..سوف تحدث فوضى داخلية بالتأكيد !

جميع دول العالم المتحضر قائمين على مبدأ العلمانية في دستورهم الحكومي بغض النظر عن ديانات أعضائه و تشكيلاته

فالأهم بالنسبة للعلمانية ليس الدين بل الإنسان, العلمانية تقدس الإنسان بمعنى أنها تحميه على الصعيد الأمني لا تؤذيه ما اذا لم يرد أن يؤدي فرض معين من دين ما على سبيل المثال, لا على الإطلاق و هي أيضاً تحمي الدين بأن يستمر معتنقيه بممارسة فرائضهم القدسية بعيداً عن التدخل بشؤون الدولة لأن الدين محكوم بشرعيات غيبية ربما لا تتماشى مع تقدم الزمن, و هذا ما انتبهوا اليه دول العالم المتحضر سواء في شرق آسيا و أوروبا و أميركا بشمالها و جنوبها و بعض دول شمال أفريقيا.

ما أعنيه من كل هذا هو, أكرر العلمانية ليست عدو الدين إنما هي حماية له , فاليوم الدول الإسلامية تعاني من التناقض في التعامل مع التحضر, وكل شيء يرجع للقضاء الديني ماذا سوف يحرم أو يحلل حسب الريح, و هذا بحد ذاته لعب في أوراق الدين و ربما يغضب فئة و يرضي فئة و تتنشر الشرارات و المشاحنات حول العديد من القرارات و التطورات.

أنظروا الى بريطانيا على سبيل المثال, تسمح للمسيحيين بممارسة طقوسهم الدينية, و بناء كنائسهم, تسمح للمسلمين (الذين هم بنفسهم يرفضون العلمانية لو كانت دولتهم) بممارسة طقوسهم و بناء مساجدهم و الدعوة الى الدين عن طريق الندوات و المحاضرات العامة و المظاهرات و هذا كله..لم تقف في وجه أحد الا اذا كان قد يمس الأمن القومي للمواطن!

فعلى سبيل المثال لو حصلت هنا, تكون هناك شرطة اداب عامة بدلً من "هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر" أي أنه اذا تم التعدي على مواطن سواء كان ذكر أو أنثى او تعرض للمضايقة فإنه يمارس عليه نوع من أنواع العقوبة العادلة لمثل هذا الجرم. و لن تجبر المؤسسات التجارية الضرورية و المستشفيات و التموينات و المطاعم و محطات البنزين على سبيل المثال من التوقف عن العمل أوقات الصلاة بدل من أن يذهبوا إلى الصلاة يقفون وراء المسجد بالثرثرة و الضحك و التدخين بينما المستهلك المسافر الذي في عجلة من أمره ينتظر أن تنتهي الصلاة في ركعتها الثانية بسورة "طه" كاملة و ينتهي الأمر به الى ضرر نفسي و بدني.


ما أود أن ألخصه الى اعزائي القراء و خاصة من يعيش في مجتمع إسلامي بحت أنه يجب عليك أن تعلم ما إذا ذكر شيء ما بُغضَ و حُرِمْ من قبل رجال الدين فعليك أن تبحث عنه بنفسك و أن تنظر لمفهومه بطريقة حيادية تتناسب مع عقلك و مفهومك للحياة و أن تنظر لها من مصلحة الجميع و البشرية.

هناك 3 تعليقات:

  1. ايها الكاتب العزيز ..

    كثير يستقبح العلمانية مع انه لا يعلم معناها بالظبط ، لكن .. لماذا لا نتقبل العلمانية ؟! .. لماذا لا نطبقها ؟! .. ، أنت ذكرت أن العلمانية هي فصل الدين عن الحياة ، و الدين الإسلامي يعني للكثيرين (( الحياة )) ، و أن الدين و الحياة شيء واحد ، (( ببساطة )) الكثير ينظر للعلمانية أنها شوكة في ظهر الإسلام ، خصوصا بعد تركيا ..

    سيدي الفاضل .. حقيقة ما كتبته جميل ، و سأكون لطيفاً في ردي ، كنت تستمثل بالسعودية في الأخطاء كمثلا اقفال المحلات وقت الصلاة ..

    سأطرح عليك سؤال .. هل تصحيح الأنظمة و القوانين يكون بالعلمانية ؟ ..

    ردحذف
  2. ليس فقط, بل أنها من وجهة نظري الشخصية الأفضل على الصعيد الأمني و النفسي و الديني و الفكري. هنا أجيبك على سؤالك الأخير.

    مشكلة اغلاق المحلات البيع و الشراء في أوقات الصلاة في مدن الغير مقدسة بالسعودية ليس لها أي مبرر. أي أن من الممكن أن يكونوا العاملين و المستهلكين ليسوا مسلمين, فلذلك من الممكن اتخاذ اجراءات كالمناوبات في أوقات الصلاة, و الذي يريد أن يؤدي فرائضه الدينية يتوجب عليه بقناعته الذاتية و الشخصية كمسلم و لا يجبر على ذلك.

    و أنا طبعاً من الصعب أن أطالب بهذا النظام لأني أتكلم عن دولة بُنية على دستور اسلامي بحت, أي ان الدولة هي الإسلام و الإسلام هو الدولة.

    ردحذف
  3. السلام عليكم و رحمة الله

    أهلا بك عزيزي

    بالصدفة وصلت لمدونتك

    طبعاً أنا أعرف مزايا العلمانية
    لكن
    هناك شئ ينقصها يسمي هوية الأمة أو مرجعيتها
    تعرف أن المرجعية في الغرب هي للدستور الذي وضعه الحكماء أعقاب الثورة الفرنسية و إعلان قيام الولايات المتحدة و هكذا

    هذه المرجعية تضم قيم الأمة العليا و القواعد العامة التي يجب إحترامها و إتباعها في المجتمع

    عندنا في العالم الإسلامي مرجعية عليا نأخذها من الأديان السماوية و بالأخص الإسلام
    لدينا أيضاً قيم عليا يجب أن تحترم مثل التي عندهم تماماً و بالمناسبة نتفق في كثير منها فكلنا نحارب الجريمة و نكره العنف و التعصب ... إلخ
    هذه قيم الإسلام و هذه قيم وصلت إليها الإنسان بعد الرقي في العلوم النفسية و الإجتماعية و كذا بعد ثورات المساواة و غيرها

    العلمانية لديها شئ مهم يمكن أن نأخذه و هو منع إستغلال الدين لتحقيق المكاسب و الفروقات علي المستوي السياسي و الإجتماعي لكن في النهاية أمتنا لديها الهوية الخاصة بها و ديننا الإسلامي لا يمنع أبداً الآخرين من ممارسة شعائرهم بحرية

    و لتكتمل الصورة المثال الذي ذكر مع إحترامي للمملكة السعودية فهي لا تمثل التطبيق الأفضل و الأصح للإسلام و تطبيق الشريعة فنجد المجتمعات الإسلامية مليئة بالمخالفات و المشكلات و التعارض مع القيم الإنسانية و حقوق الإنسان

    أتمني أن تكون وجهة نظري قد إستطعت إيضاحها

    و لك تحياتي ,,

    ردحذف